السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
بخصوص وقوع الرؤيا بالتعبير : في المسألة أحاديث أشهرها :
1. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اعْتَبِرُوهَا بِأَسْمَائِهَا ، وَكَنُّوهَا بِكُنَاهَا ، وَالرُّؤْيَا لِأَوَّلِ عَابِرٍ ) .
رواه ابن ماجه ( 3915 ) ، والحديث ضعفه كثيرون ؛ ففي إسناده : يزيد بن أبان الرقاشي ، وهو ضعيف .
2. عَنْ أَبِى رَزِينٍ العُقيلي قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( الرُّؤْيَا عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ مَا لَمْ تُعَبَّرْ فَإِذَا عُبِّرَتْ وَقَعَتْ ) قَالَ : وَأَحْسِبُهُ قَالَ : ( وَلاَ يَقُصُّهَا إِلاَّ عَلَى وَادٍّ أَوْ ذِي رَأْيٍ ) .
رواه الترمذي ( 2278 ) وأبو داود ( 5020 ) وابن ماجه ( 3914 ) ، وحسَّنه ابن حجر في " فتح الباري " ( 12 / 432 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
وقد رأى بعض العلماء أن هذه الأحاديث منكرة المتن – مع ما في أسانيدها من كلام - ، ولذلك ذهبوا إلى تضعيفها ، وأنها مخالفة لحديث أبي بكر الصدَّيق عندما أخطأ في بعض التعبير أمام النبي صلى الله عليه وسلم .
والصواب : أن الحديث الثاني حسن ، أو صحيح ، وأنه ليس في متنه نكارة ، وأن معناه : أن الرؤيا يقع تعبيرها إذا عبَرها من أصاب ، لا من أخطأ .
ومن عظيم فقه البخاري رحمه الله أنه بوَّب على حديث أبي بكر رضي الله قولَه : " باب من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب " .
وروى الحديث وفيه قول أبي بكر رضي الله عنه : فَأَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأْتُ ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ( أَصَبْتَ بَعْضاً وَأَخْطَأْتَ بَعْضاً) .
رواه البخاري ( 6639 ) ومسلم ( 2269 ) .
وهذا المعنى هو الذي ذهب إليه جماهير العلماء والشرَّاح .
قال الزمخشري : " ليس المعنى أن كل من عبَرها وقعت على ما عَبَر ، ولكن إذا كان العابر الأول عالماً بشروط العبارة ، فاجتهدَ ، وأَدَّى شرائطها ، ووُفق للصواب ، فهي واقعةٌ على ما قال ، دونَ غيره " " الفائق في غريب الحديث والأثر " (3 /281 ) .
وفي فوائد حديث أبي بكر قال النووي – رحمه الله - : " وأن الرؤيا ليست لأول عابر على الإطلاق ، وإنما ذلك إذا أصاب وجهها " شرح مسلم " (15 ، 30 ) .
وقال ابن بطَّال – رحمه الله - :
" وقال أبو عبيد وغيره من العلماء : تأويل قوله : ( الرؤيا لأول عابر ) : إذا أصاب الأول وجه العبارة ، وإلا فهي لمن أصابها بعده ، إذ ليس المدار إلا على إصابة الصواب فيما يرى النائم ، ليوصل بذلك إلى مراد الله بما ضربه من الأمثال في المنام ، فإذا اجتهد العابر وأصاب الصواب في معرفة المراد بما ضربه الله في المنام : فلا تفسير إلا تفسيره ، ولا ينبغي أن يسال عنها غيره ، إلا أن يكون الأول قد قصر به تأويله فخالف أصول التأويل ، فللعابر الثاني أن يبين ما جهله ، ويخبر بما عنده ، كما فعل النبي عليه السلام بالصدِّيق فقال : ( أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً ) ، ولو كانت الرؤيا لأول عابر سواء أصاب أو أخطأ : ما قال له الرسول صلى الله عليه وسلم : ( وأخطأتَ بعضاً ).
" شرح صحيح البخاري " (9 /560 ، 561 ) .